إن الحب الصحيح الذي يمكن أن يسمى حبّاً، لا يكون فيما ترى من لون وشكل وتركيب وتناسق وغيرها مما يُظهر البشرية على أتمها وأحسنها في الشخص المحبوب كما يظن الناس خطأ، بل هو في عكس ذلك، أي فيما يخفي البشرية بمحاسنها وعيوبها جميعاً، ويُظهر في أمكنتها خصائصَ الروح المحبوبة وحدَها، فمن ثم يبدو لك شخصُ المحبوب على أي أشكاله وهيآته كأنه تمثالٌ سماوي وضع لروحك خاصة، فهو مجبولٌ من مادة واحدة، وهي مادة الفتنة، ولو كان في أعين الناس كافة تمثالَ الأرض السفلي يُصور كل ما تشتت فيها من القبح!. فإذا لم تظهر لك خصائصُ روح المرأة ظهوراً يستفيض على وجهها وجسمها ويجعل كل شيء فيها ذا معنى منه، وكل معنىَ منه ذا معنىَ فيك، فما أنت من حبها في شيء ولو ذهبت من جمالها بعقول الناس، ولا هي عندك من الجمال في شيء ولو كانت في النساء كليلة البدر في الليالي، ومن أجل ذلك لا يخلو الحب من بعض معاني الوحي، ولا تخلو الحبيبة من بعض المادة الملائكية في النفس التي تعشقها، وهل ملَكُ الوحي إلا قوة المزج السماوي في نفوس الأنبياء، وهل روح الحبيبة إلا على قدر من مثل هذه القوة في نفس محبها؟... ولعل هذا يفسر لك سراً من أسرار احتراق في بعض الأرواح العاشقة التي تيمها الحب، فإن تلك القوة النموذجية متى أفرطت على نفسِ رقيقة حسَّاسة، أذابتها واشتعلت فيها فأكلتها أكل النار للهشيم، وتركتها تحترق أسرعَ ما تحترق لتنطفئ أسرع ما تنطفئ. مصطفي الرافعي