واعلم يا بنيّ أن القدر وإن كان من السماء ولكن تاريخه ثابت في الأرض، وما كانت المصائب جديدة في الحياة وهذه المحابر التي كتب منها تاريخ الإنسان لا تزال كما كانت من قبل تشرق بالدماء وبالدموع، ولا يزال الدهر يمدّ منها ولا يزال يكتب من هذا المداد: فمم يخاف الإنسان الجديد وليس فيما ينزل به إلا ما نزل بمن قبله، وما هو بخالد ولا هو بمتروك لما يحاوله، ولقد علم يقيناً أن الله لم يخلق فيما خلق مقراضاً يقلم أظفار الموت؟ يريد من قدر الله زلالاً صافياً كأنه ماء مرشح يصب من حياته في كأس من البلور .. ! وينبغي أن يكون في الأرض تاريخاً جديداً سلساً منقحاً ليس فيه شيء من تلك الألفاظ الجافية في نبوها وخشونتها، ألفاظ التخريب والتدمير والتقتيل والجوع والمرض والأحزان والهموم ونحوها.مصطفي صادق الرافعي