وللحب العجيب جنس من النساء عجيب، خُلقن جواسيس على القلوب يدخلن فيها ويخرجن منها، وقلما تجسدت الواحدة منهن إلا لتفضح للدنيا أسرار روحِ عظيمة، وهذا الجنس تُهيّئهُ الطبيعة تَهيئة المادة السحرية، وتولد المرأة منه مرتين، فإذا هي انحدرت إلى الدنيا طفلة جعلت تأخذ في دمها الجذَّاب من شعاع الشمس يتوهَّج، ومن نور القمر يتندى، وذهبت تنمو في ظاهرها نموّاً وفي باطنها نموّاً غيره، حتى إذا بلغت مَبلغَها وانبعثت مِلءَ شبابها، آن لها أن تُولد الثانية، فوُلدت في قلب رجلّ. والعجيب أنها في الولادة الأولى يكون أولُ وجودها هو أولَ وجودها، أما الثانية فذلك أولُ فنَائها، لأن المرأة متى حلتْ من قلب الرجل محلاً، جعل يُفنيها معنى في كل معنى حتى تفرغ، فلا يبقى منها إلا ذكرى زمن مضى... وكل امرأة من هذا الجنس هي مُعجزةٌ عقلية ما دامت مخبوءة في الشعاع السماوي من جمالها، وما دام هذا الشعاعُ يفعل فعله الذي عرفه الناس أوضحَ ما عرفوه في أديانهم وعقائدهم وفيما أنزلوه منزلةَ الأديان والعقائد. مصطفي صادق الرافعي