ولما كان غداة غد جلس الشيخ في حلقته في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للحديث والتأويل، فسأل رجل من عُرض المجلس، فقال: يا أبا محمد، إن رجلاً يلاحيني في صداق بنته ويكلفني ما لا أطيق. فما أكثر ما بلغ إليه صداق أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصداق بناته؟ قال الشيخ: روينا أن عمر رضي الله عنه كان ينهى عن المغالاة في الصداق, ويقول: ما تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا زوَّج بناته بأكثر من أربعمائة درهم، ولو كانت المغالاة بمهور النساء مكرمة لسبق إليها رسول الله, صلى الله عليه وسلم. وروينا عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: خير النساء أحسنهن وجوهاً, وأرخصهن مهوراً. فصاح السائل: يرحمك الله يا أبا محمد، كيف يأتي أن تكون المرأة الحسناء رخيصة المهر، وحسنها هو يغليها على الناس؛ تكثر رغبتهم فيها فيتنافسون عليها؟ قال الشيخ: انظر كيف قلت, أهم يساومون في بهيمة لا تعقل، وليس لها من أمرها شيء إلا أنها بضاعة من مطامع صاحبها يغليها على مطامع الناس؟ إنما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن خير النساء من كانت على جمال وجهها، في أخلاق كجمال وجهها، وكان عقلها جمالاً ثالثاً؛ فهذه إن أصابت الرجل الكفء، يسرت عليه، ثم يسرت، ثم يسرت؛ إذ تعتبر نفسها إنساناً يريد إنساناً، لا متاعاً يطلب شارياً، وهذه لا يكون رخص القيمة في مهرها، إلا دليلاً على ارتفاع القيمة في عقلها ودينها؛ أما الحمقاء فجمالها يأبى إلا مضاعفة الثمن لحسنها، أي: لحمقها, وهي بهذا المعنى من شرار النساء، وليست من خيارهن.مصطفي صادق الرافعي