مصطفى صادق الرافعي
قال كليلة: واحذر يا دمنة مصارع الجرأة في الرأي وما يكون مثله من الرجل الحَمق إذا تكلمت حماقتُه في لسانه، فإن الرأي ميزان لغته على الوفاء والنقص مما يوزن فيه لا من اليد التي تزن به، فإن هو ترك لما يلقى عليه أبان فصدق وحدد، وإذا عَبثت به اليد إمالة أو تعويجاً أبان فكذب وغش، وإن الجراءة هي علم الجاهل حين يكون له علم، وجهل العالم حين يكون للعالم جهل، وقد قالت الحكماء إن هذه الجرأة كانت امرأة فتزوجها العلم وتحفَّى بها وبالغ في إكرامها ورعايتها وفلسف لها الحياة ما شاء، فلما ولدت ولدت ت له الحمق، فقال: واسوءتاه! نزع الولد إلى أمه الخبيثة، وسبقت حكمة الله أن لا يخلق حياً إلا من اثنين، كي تلد الأمهات النعمة مضاعفة والمصيبة مضاعفة أو لينقص شيء من شيء غيره، أو ليزيد أمر في أمر سواه، أو ليبطل عمل من عمل آخر، وما يخرج النقيضان ولا المتجاذبان إلا من اثنين. ثم إنه بتَّ عقدة الجرأة وطلقها، فخلف عليها الجهل، وكان بعلاً سيئاً عنيفاً جعل يمكر في أذاها كلّ حيلة ويغلظ عليها بكل سوء ويعسفها عسف الأجير دابت، فلما ولدت ولدت له السخرية، فقال: وامصيبتاه! جاءت نعل طِباقَ نَعْل. ثم شب الحمق والسخرية معاً، فتشاتما يوماً وتعالظا ولأبت عليهما الطباع إلا أن يكون لكل منهما القهر والغلبة، ففزع كلاهما إلى أبيه وجاء به، فذهب العم يحتج ومضى الجهل يخاصم، فأقبلت الجراءة على صوتهما وقالت: ويحكما! فيم هذا التنازع؟ ثم أرادت الصلح، فالتفت الجهل إلى العلم وقال: يا أخي يا أبا الحمق، قال العلم : لا غرو يا أبا السخرية ... فإنما هي الجراءة اللئيمة ولدت وولدت لك فجمعتنا بولديها وجعلتني أخا سوء وأبا سوء وعم سوء!مصطفي صادق الرافعي
اقتباسات أخرى للمؤلف