كل شيء عظيم وجميل في هذا العالم يتولَّد من فكر واحد أو من حاسة واحدة في داخل الإنسان . كل ما نراه اليوم من أعمال الأجيال الغابرة كان قبل ظهوره فكرًا خفيًّا في عاقلة رجل أو عاطفة لطيفة في صدر امرأة الثورات الهائلة التي أجرت الدماء كالسواقي وجعلت الحرية تُعبد كالآلهة كانت فكرًا خياليًّا مرتعشًا بين تلافيف دماغ رجل فرد عائش بين ألوف من الرجال . والحروب الموجعة التي ثَلَّت العروش وخربت الممالك كانت خاطرًا يتمايل في رأس رجل واحد . والتعاليم السامية التي غيرت مسير الحياة البشرية كانت ميلًا شعريًّا في نفس رجل واحد منفصل بنبوغه عن محيطه ؛ فِكر واحد أقام الأهرام ، وعاطفة واحدة خرّبت تروادة ، وخاطر واحد أوجد مجد الإسلام ، وكلمة واحدة أحرقت مكتبة الإسكندرية . فِكر واحد يجيئك في سكينة الليل يسير بك إلى المجد أو إلى الجنون . نظرة واحدة من أطراف أجفان امرأة تجعلك أسعد الناس أو أتعسهم ، كلمة واحدة تخرج من بين شفتي رجل تُصَيِّرك غنيًّا بعد الفقر أو فقيرًا بعد الغنى كلمة واحدة لفظتها سلمى كرامة في تلك الليلة الهادئة أوقفتني بين ماضيَّ ومستقبلي وقوف سفينة بين لجة البحار وطبقات الفضاء . كلمة واحدة معنوية قد أيقظتني من سُبات الحداثة والخلوّ ، وسارت بأيامي على طريق جديدة إلى مسارح الحب حيث الحياة والموت .
Kahlil Gibran