كانت ليلة تنحي عبد الناصر أثناء خطاب إعلانه الهزيمة، ليلة ليلاء: يتابع أبي الخطاب. يمسح دموعه بظهر كفه. يعود يمسحها. اضطرابي لدموع أبي أكبر من اضطرابي لما يقوله رئيس البلد عن هزيمة لن أتمثّل فحواها إلا بعد سنوات للدقة سأتمثلها أكثر وتدريجيا على مر السنوات، وربما من ذلك التاريخ إلى هذه اللحظة. ينتهي الخطاب. أبي ينتحب. يشهق مثل الأطفال. تصاب أمي بحالة هستيرية مفاجئة، تصيح: لا أفهم، لا أفهم على الإطلاق. لماذا تبكي عليه؟! أليس هو الضابط الفاشي، الدكتاتور الطاغية الذي وضعكم في المعتقل خمس سنوات بلا وجه حق؟ أليس ... ألم يكن ... أم تقل ... ؟ تتلاحق الكلمات في اندفاع متصاعد، صوتها يعلو ثم يعلو أكثر. فجأة قال أبي: أنت عمياء! وغادر البيت. لم تنطق بعدها بحرف، ولا أنا نطقت. رضوي عاشور