أتحدث عن الكتابة. لا بوصفها منتجاً أو وظيفة، ولا إبداعاً له شروط كالموهبة والمعرفة، بل بوصفها فعلاً يتشكل في الدماغ وعلى الورق (أو على شاشة الكمبيوتر)، لا ينحصر في توفير أدوات إنتاج ومكان ينزوي فيه الإنسان حين يأتي عفريت الكتابة بما يأتي به وينفرد ويلازمه على مدار الساعة. نعم، الكتابة فعلٌ أناني وطارد يفرض درجة من العُزلة الداخلية، ينفيك عمن حولك أو ينفي من حولك، يضعهم على الرف إلى حين، لأنك حتى وإن كنت جالس معهم، تشاركهم الأكل أو الكلام، فأنت في مكان آخر، منشغلٌ به ومأخوذ. نعم الكتابة فعل أناني وطارد. لاتفوتني المفارقة، لأنها فعلٌ ينفي الآخرين ليخاطبهم ويصيغ علاقته بهم، ويشكّل ما يشكّل بلغتهم، (لأن لا أحد يمتلك لغة بمفرده)، ينفيهم ليكتب حكايتهم. يُقصيهم ليراهم أكثر. يبتعد ليقترب. ويعزلك ليتيح لك تبديد وجودك المُفرد وإذابته في وجودهم ومكانهم وزمانهم. نلتقي مرة أو مرتين في العام. يأتون إلينا أو نذهب إليهم. نسهر معاً. نتسامر. نستمع إلى الشعر. ودائماً مانفترق آسفين حتى وإن طالت بنا الجلسة إلى الفجر. ارتياحٌ غريب. دائماً. ليست مجرد بهجة اللقاء بمن نحب. ربما هي رسالة ضمنية أن الدنيا بخير، أن جمالها المكنون غالباً، يُفصح عن نفسه في وجودهم، تلقائياً وبلا حرج. رضوي عاشور