إن المدنية الحاضرة قد أنمت مدارك المرأة قليلًا ، ولكنها أكثرت أوجاعهابتعميم مطامع الرجل ، كانت المرأة بالأمس خادمة سعيدة فصارت اليوم سيدة تعسة . كانت بالأمس عمياء تسير في نور النهار ، فأصبحت مبصرة تسير في ظلمة الليل ، كانت جميلة بجهلها فاضلة ببساطتها قوية بضعفها ، فصارت قبيحة بتفنُّنها سطحيّة بمداركها بعيدة عن القلب بمعارفها . فهل يجيء يوم يجتمع في المرأة الجمال بالمعرفة والتفنن بالفضيلة ، وضعف الجسد بقوة النفس ؟ أنا من القائلين إن الارتقاء الروحي سنَّة في البشر ، والتقرب من الكمال شريعة بطيئة لكنها فعالة ، فإذا كانت المرأة قد ارْتقت بشيء وتأخرت بشيء آخر ؛ فلأن العقبات التي تُبلغنا قمة الجبل لا تخلو من مكامن اللصوص وكهوف الذئاب . ففي هذا الجبل الشبيه بالغيبوبة التي تتقدم اليقظة ، في هذا الجبل القابض بكفيه على تراب الأجيال الغابرة وبزور الأجيال الآتية ، في هذا الجبل الغريب بميوله وأمانيه لا تخلو مدينة من امرأة ترمز بوجودها عن ابنة المستقبل .
Kahlil Gibran