الرحمة تنشأ عن الألم, وهذا بعض السر الاجتماعي العظيم في الصوم, إذ يبالغ أشد المبالغة, ويدقق كل التدقيق, في منع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدة آخرها آخر الطاعة؛ فهذه طبيعة عملية لتربية الرحمة في النفس, ولا طريقة غيرها إلا النكبات والكوارث؛ فهما طريقتان كما ترى: مبصرة وعمياء, وخاصة وعامة, وعلى نظام وعلى فجأة. ومتى تحققت رحمة الجائع الغني للجائع الفقير, أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ, وحكم الوازع النفسي على المادة ؛ فيسمع الغني في ضميره صوت الفقير يقول: أعطني. ثم لا يسمع منه طلبا من الرجاء, بل طلبا من الأمر لا مفر من تلبيته والاستجابة لمعانيه, كما يواسي المبتلى من في مثل بلائه.مصطفي صادق الرافعي