أحمد خالد توفيق
في بداية عهدي بالقراءة كنت أؤمن إيمانًا لا يتزعزع بأن أي حرف مكتوب هو شيء محترم جدير بالقراءة.. كل شيء يجب أن يُقرأ حتى النعي في الصحف، والكتابة على طوابع البريد، وحتى إجابات التلاميذ في أوراق الكراريس التي يُلف فيها الترمس.. أحيانًا تؤتي هذه العادة أكلها؛ كما حكى لي أحد أصدقائي الأطباء النابهين عندما لفّ له البائع البطاطا الساخنة في ورقة كتاب الأحياء للصف الثالث الثانوي.. وجد في هذه الورقة شرحًا مبسطًا بالعربية لعملية نسخ الحمض النووي وحركة الريبوزوم وتخليق البروتين إلخ. ولم يكن صاحبي من الطلبة المجتهدين أيام الكلية، لذا بدت له هذه المعلومات طازجة تمامًا وهدية من السماء، قرأها بعناية وهو يلتهم البطاطا الساخنة متأوهًا من حرارة البطاطا ومن نشوة المعرفة، وبفضلها وضع قدميه على بداية الطريق الصحيح، وراح يقرأ المراجع الكبرى والدوريات العالمية، حتى صار من أهم الملمّين بعلوم الهندسة الجزيئية والوراثة، وصرنا جميعًا نسأله عن أية ألغاز تقابلنا..أحمد خالد توفيق
اقتباسات أخرى للمؤلف