فلا إله إلا الله كم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة وأن تصل إليه ! وإن العبد ليعمل العمل حيث لا يراه بشر البتة وهو غير خالص لله، ويعمل العمل والعيون قد استدارت عليه نطاقًا وهو خالص لوجه الله، ولا يميِّزُ هذا إلا أهلُ البصائر وأطباء القلوب العالمون بأدوائها وعللها .. فبين العمل وبين القلب مسافة .. وفي تلك المسافة قُطَّاع تمنع وصول العمل إلى القلب، فيكون الرجل كثير العمل وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء، ولا زهد في الدنيا ولا رغبة في الآخرة، ولا نور يفرق به بين أولياء الله وأعدائه، وبين الحق والباطل، ولا قوة في أمره، فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه لاستنار وأشرق، ورأى الحق والباطل، وميَّز بين أولياء الله وأعدائه، وأوجب له ذلك المزيد من الأحوال. ثم بين القلب وبين الربِّ مسافة .. وعليها قُطَّاع تمنع وصول العمل إليه، من: كِبر، وإعجاب، وإدلال، ورؤية العمل، ونسيان المِنَّة، وعِلَل خفية لو استقصى في طلبها لرأى العجب، ومن رحمة الله تعالى سَتْرُها على أكثر العمال، إذ لو رأوها وعاينوها لوقعوا فيما هو أشد منها من: اليأس، والقنوط، والاستحسار، وترك العمل، وخمود العزم، وفتور الهمة ..ابن قيم الجوزية