وأما الاصطبار: فهو أبلغ من التصبر فإنه افتعال للصبر بمنزلة الاكتساب فالتصبر مبدأ الاصطبار كما أن التكسب مقدمة الاكتساب ، فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطباراً . وأما المصابرة فهى مقاومة الخصم في ميدان الصبر فانها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين كالمشاتمة والمضاربة قال الله تعالى : [ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ] فأمرهم بالصبر وهو حال الصابر في نفسه والمصابرة وهى حاله في الصبر مع خصمه ، والمرابطة وهى الثبات واللزوم والاقامة على الصبر والمصابرة . فقد يصبر العبد ولا يصابر وقد يصابر ولا يرابط وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبد بالتقوى . فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى ، وأن الفلاح موقوف عليها فقال :[ واتقوا الله لعلكم تفلحون] فالمرابطة كما أنها لزوم الثغر الذى يخاف هجوم العدو منه في الظاهر فهى لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى والشيطان فيزيله عن مملكته . ابن قيم الجوزية