فلو عرف العبد كل شئ و لم يعرف ربه: فكأنه لم يعرف شيئاً، و لو نال كل حظ من حظوظ الدنيا و لذاتها و شهواتها و لم يظفر بمحبة الله، و الشوق إليه، و الأنس به: فكأنه لم يظفر بلذة و لا نعيم و لا قرة عين، بل إذا كان القلب خالياً عن ذلك عادت تلك الحظوظ و اللذات عذاباً له و لا بد، فيصير معذباً بنفس ما كان مُنعماً به من جهتين: من جهة حسرة فوته، و أنه حِيلَ بينه و بينه، مع شدة تعلُّق روحه به، و من جهة فَوت ما هو خير له و أنفع و أدوم، حيث لم يحصل له، فالمحبوب الحاصل فات، و المحبوب الأعظم لم يظفر به، و كل من عرف الله أحبه، و أخلص العبادة له و لا بد، و لم يؤثر عليه شيئاً من المحبوبات، فمن آثر عليه شيئاً من المحبوبات، فقلبه مريض، كما أن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث و آثرته على الطيب، سقطت عنها شهوة الطيب و تعوضت بمحبة غيره.ابن قيم الجوزية