و حين تجول العين و القلب في مصارع القرون. و حين تطالع العين آثارهم و مساكنهم عن كثب، و حين يتملى الخيال الدور و قد خلت من أهلها الأول؛ و يتصور شخوصهم الذاهبة، و أشباحهم الهاربة، و حركاتهم و سكناتهم، و خواطرهم و أحلامهم، و همومهم و آمالهم.. حين يتأمل هذا الحشد من الأشباح و الصور و الانفعالات و المشاعر.. ثم يفتح عينه فلا يرى من ذلك كله شيئاً إلا الفراغ و الخواء.. عندئذ يستيقظ للهوة التي تفغر فاها لتبتلع الحاضر كما ابتلعت الغابر. و عندئذ يدرك يد القدرة التي أخذت القرون الأولى و هي قادرة على أن تأخذ ما يليها. و عندئذ يعي معنى الإنذار، و العبرة أمامه معروضة للأنظار. فما لهؤلاء القوم لا يهتدون و في مصارع القرون ما يهدي أولى الألباب؟
سيد قطب