(ذلك الكتاب لا ريب.. هدى للمتقين)... الهدى حقيقته، و الهدى طبيعته، و الهدى كيانه، و الهدى ماهيته.. و لكن لمن؟ لمن يكون ذلك الكتاب هدى و نوراً و دليلاً ناصحاً مبيناً؟ .. للمتقين.. فالتقوى في القلب هي التي تؤهله للانتفاع بهذا الكتاب. هي التي تفتح مغاليق القلب له فيدخل و يؤدي دوره هناك. هي التي تهيئ لهذا القلب أن يلتقط و أن يتلقى و أن يستجيب. لا بد لمن يريد أن يجد الهدى في القرآن أن يجيء إليه بقلب سليم. بقلب خالص. ثم أن يجيء إليه بقلب يخشى و يتوقى، و يحذر أن يكون على ضلالة، أو أن تستهويه ضلالة.. و عندئذ يتفتح القرآن عن أسراره و أنواره، و يسكبها في هذا القلب الذي جاء إليه متقياً، خائفاً، حساساً، مهيأً للتقي.. ورد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له: أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال بلى! قال: فما عملت؟ قال: شمرت و اجتهدت. قال: فذلك التقوى.. فذلك التقوى.. حساسية في الضمير، و شفافية في الشعور، و خشية مستمرة، و حذر دائم، و توقٍ لأشواك الطريق.. طريق الحياة.. الذي تتجاذبه أشواك الرغائب و الشهوات، و أشواك المطامع و المطامح، و أشواك المخاوف و الهواجس، و أشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك إجابة رجاء، و الخوف الكاذب ممن لا يملك نفعاً و لا ضراً. و عشرات غيرها ن الأشواك!
سيد قطب